رأي

مدارات للناس هاش عمر (١) مزرعة السدير… ذاكرة لا تُنسى

 

Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!

في قلب منطقة السدير، شرق النيل، كانت هناك مزرعة ليست ككل المزارع. لم تكن مجرد أرض تُزرع فيها الخضروات أو تُربى فيها المواشي، بل كانت فضاءً إنسانيًا نابضًا بالحياة، حاضنةً للصحفيين والمبدعين، وملتقىً للأرواح التي تبحث عن المعنى وسط ضجيج الحياة.
كانت تلك المزرعة ملكًا لصديقنا الراحل (عز الدين السدير) ، رجل المبادرات وصاحب القلب الرحيم. لم يكن مجرد مضيف، بل كان صاحب رؤية، يسعى إلى تحويل المكان إلى منبر حر، ومساحة للتفكير والتبادل. في زمنٍ كانت فيه الخرطوم تتنفس حرية، كانت مزرعته بمثابة بيتٍ ثانٍ لكل من يحمل قلماً أو فكرة.
عز الدين لم يكن فقط صاحب مزرعة، بل كان من أوائل من أدخلوا الخدمات إلى مناطق شرق النيل، وساهم في تحسين حياة أهلها. كان يؤمن بأن التنمية تبدأ من الناس، وأن الصحافة ليست مهنة بل رسالة. لكن قلبه الرحيم لم يحتمل قسوة الجنجويد، الذين استهدفوه بالاعتقال والتنكيل، فرحل بأزمة قلبية، تاركًا خلفه فراغًا لا يُملأ، وذكريات لا تُنسى.
في تلك المزرعة، التقينا بأسماء لا تُمحى من الذاكرة: (زكريا حامد)، فايز ديدي، راشد الحلاوي، قيس لازم، بهرام عبد المنعم، عبد الوهاب موسى، أنور شمبال، الولا برهي، فاروق إبراهيم ، وغيرهم من الصحفيين والأطباء والمبدعين. كانت الجلسات هناك مليئة بالنقاشات، بالأمل، وبالضحك الذي لا يُنسى.
اليوم، حين أمرّ بجوار تلك المزرعة، أشعر أنني أمرّ بجوار فصل من حياتي، بجوار زمنٍ كان فيه للكلمة وزن، وللصداقة معنى، وللأماكن روح. مزرعة السدير لم تكن مجرد مساحة خضراء، بل كانت ذاكرة حيّة، لا تُنسى، مهما حاولت الحرب أن تطمسها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى