محمدن اياهي – مجدٌ في مقام السيادة، وروعةٌ في مقابلة الفريق إبراهيم جابر على قناة الحدث
مجدٌ في مقام السيادة، وروعةٌ في مقابلة الفريق إبراهيم جابر على قناة الحدث
Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!
بدايةً، لا يسعنا إلا أن نُشيد بمجلس السيادة الانتقالي في السودان، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، هذا المجلس الذي يواصل بحكمةٍ وثباتٍ توجيه دفة البلاد وسط أمواج التحديات الجسام، مؤكداً أن القيادة إذا اقترنت بالإخلاص والمعرفة، كانت قادرة على تحويل الأزمات إلى فرص، والضغوط إلى إنجازات. ومن رحم هذه القيادة، يبرز رجال الدولة الكبار، وفي مقدمتهم الفريق إبراهيم جابر.
لقد كانت مقابلة الفريق جابر على قناة “الحدث” علامة فارقة في المشهد الإعلامي والسياسي السوداني، بل العربي أيضاً. مقابلة يمكن وصفها – دون مبالغة – بأنها درس في الاتزان النفسي، والرصانة السياسية، والحكمة العسكرية، والعقلانية الاقتصادية. إنها ليست مجرد مقابلة، بل وثيقة سياسية وأمنية في غاية العمق والدلالة، ستُقرأ مرات ومرات في الغرف المغلقة ومراكز الدراسات وصنّاع القرار، لما تحمله من إشارات ورسائل على أكثر من صعيد.
نفسياً، بدا الفريق جابر ثابتاً كجبل السُودان، صلباً في حضوره، واثقاً في إجاباته، مرتاحاً في نبرته، لا تردد ولا ارتباك، بل هدوء الواثق من علمه، والمتيقن من موقعيته، والمتمكن من رؤيته. خلف كل إجابة، قرأنا سنوات من التجربة، ومخزوناً من التأمل العميق والتقدير الدقيق لما يُقال وما لا يُقال.
سياسياً، بدا الفريق دبلوماسياً من الطراز الرفيع، يعرف كيف يدير الكلمة كما تُدار المعركة، ويزن كل عبارة بميزان الذهب. لم يكن مجرد عسكري يُجيب، بل رجل دولة يتحدث عن الشأن الوطني كمن يعرف كل شبرٍ في الخارطة السياسية، ويستوعب أبعاد كل ملف إقليمي ودولي. لم يقع في فخ التبرير، ولم ينجرّ وراء الإثارة، بل اختار خطاب الحكمة والمصارحة والعمق.
عسكرياً، ظهرت في نبرة الفريق خبرة ملاحٍ أمضى عمره في قراءة الرياح والتيارات، لا يُفاجَأ ولا يُخدع، ولا يسمح للحدث أن يبتلعه. كانت كلماته كمن يعطي إشارات مفهومة لمن يفهم، عن وعي كامل بمسرح العمليات، وبأن السودان ما زال عصياً على التفكيك والانكسار.
اقتصادياً، بدا الفريق جابر مدركاً لحجم التحديات المالية، ومتحكماً في ناصية الأرقام والوقائع. حديثه عن الاقتصاد لم يكن إنشائياً، بل قائماً على معلومات ومعطيات واقعية، يعرف أوجاع الناس، ويُقَدِّر الاحتياجات، ويضع إصبعه على الجرح، ولكن بأدب المسؤول لا بشكوى العاجز.
أما من الناحية الإعلامية، فإن الصحافية التي أجرت الحوار كانت على قدر من المهنية العالي، بأسئلتها التوليدية الذكية، التي سمحت للفريق بالكشف عن عُمق شخصيته وشمول رؤيته. ولولا براعتها، لما تجلّى دهاء الفريق وعمقه بهذا الوضوح.
الفريق إبراهيم جابر لم يظهر في هذه المقابلة كقائد عسكري فقط، بل كرجل دولة بمواصفات استثنائية: سياسي عميق، اقتصادي متمكن، قانوني ملم، واجتماعي يدرك النسيج السوداني بتفاصيله الدقيقة، وأكاديمي بثقافة موسوعية. شخص يعرف مفاصل الدولة، ويُتابع ما يُخطط في الغرف المغلقة، ويقرأ خرائط المستقبل بنظرة نافذة.
ختاماً، فإن هذه المقابلة ليست نهاية حديث، بل بداية لمرحلة جديدة، سيكون لها ما بعدها. لقد تحدّث الرجل بثقة، فأقنع، وبحكمة فأراح، وبمعلومات فأكد، وبأسلوبٍ رصينٍ أزال كثيراً من اللبس. ومن أراد أن يفهم طبيعة المرحلة، ومستقبل السودان، فليُعد الاستماع لهذا اللقاء مرةً ومرات.


