د. النيل الفاضل يكتب:- إيلا… صُنع خصيصاً للتنمية والبناء

Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!
هي سُنّة الله في خلقه أن يرحل العظماء وتبقى آثا٠رهم حيّة تنبض في وجدان الشعوب. بعض الناس يرحلون، لكن عطر سيرتهم يملأ المكان، وتبقى بصماتهم شاهدة على عظمة العطاء وخلود الفكرة. من بين هؤلاء الذين لا يموتون في الذاكرة… كان الدكتور محمد طاهر إيلا، الرجل الذي خُلق وكأنه صُنع خصيصًا للتنمية والبناء، وللعمل بصمت وإبداع في خدمة الوطن والإنسان.
إيلا لم يكن سياسيًا عابرًا ولا إداريًا تقليديًا يجلس خلف المكاتب وينتظر التقارير، بل كان رجل دولة من طراز فريد، يمشي في دروب العمل العام كمن يسير في طريق مقدّس نحو هدف واضح: الإنسان أولاً. كان يدرك أن التنمية ليست شعارات تُرفع، بل فعلٌ يوميٌّ يتجلّى في الطرقات والمصانع والمدارس والموانئ والمستشفيات، وفي وجوه الناس حين يبتسمون لأنهم شعروا بثمار التنمية تلامس حياتهم.
كان قليل الكلام، كثير الفعل. صمته تنمية، وحديثه تنمية، وخطاه على الأرض تنمية. أينما وُجد، وُجد البناء، وحيثما حلّ، تفجّرت ينابيع العمل والإنتاج. لم يعرف الكلل ولا الملل، ولم تُرهبه التحديات، فكان يواجهها بالعقل والإصرار، ويحوّل الصعوبات إلى فرص.
حين كنت رئيسًا للاتحاد العام للطلاب السودانيين قصدت رجلين لأستلهم منهما تجربة في القيادة والإدارة: محمد طاهر إيلا في بورتسودان، ومولانا أحمد هارون في الأبيض. وجدت عند كليهما فكرًا متقدًا ورؤية إنسانية متكاملة، لكن إيلا كان حالة استثنائية، يجمع بين دقة الإدارة وعمق الفكرة، بين الحزم والرؤية، بين العمل الصامت والإنتاج المذهل.
إيلا كان مدرسة قائمة بذاتها؛ فريدة في أسلوبها، نادرة في بصيرتها، تستشرف القادم وتستعد له بوعيٍ ومسؤولية. كان يملك من المهارة والقدرة ما يجعله يتحرك حيثما كان الإنسان بحاجة إلى خدمة أو أمل أو طريق جديد نحو الحياة الكريمة.
لقد أبدع فأبدع، وأبهر فأقنع، ومضى بالإنسان السوداني إلى آفاق جديدة من الثقة والعطاء. أشعل في الناس الحماس، ونفخ فيهم روح التحدي والإبداع، وأخرجهم من دوائر الإحباط إلى فضاءات الأمل. جعل من الإنسان محور التنمية وغايتها، بلا وسائط أو حواجز.
شيّد الطرقات، وبنى المصانع، وفتح أمام الرأسمالية الوطنية أبواب العالمية. استجلب التقانة، واستنهض قدرات المنتجين، فكان حبلًا سريًا يغذي كل طامح في النجاح، وبلسمًا يداوي جراح الوطن.
لم يكن إيلا موظفًا حكوميًا يؤدي واجبًا إداريًا فحسب، بل كان مشروع نهضة متكامل، رجلًا يرى المستقبل بعين البصيرة، ويقود الحاضر بعزم القائد، ويعمل في صمت العارف الذي يؤمن أن العمل لا يحتاج ضجيجًا، بل إخلاصًا وصدقًا.
رحل إيلا… لكنه ترك وراءه إرثًا خالدًا من التنمية والإنجاز، وذكرى لا تُمحى من ضمير الوطن. ترك مدرسة سودانية خالصة في الإدارة والتنمية، ذات منهج واقعي وملمح وطني أصيل، إيلاوية الصنع، بجاوية التكوين، سودانية الهوى والهوية.
اللهم ارحمه رحمةً واسعة، واجعل عمله في ميزان حسناته، وأسكنه الفردوس الأعلى مع الصديقين والشهداء والصالحين.