رشان أوشي – خريف النخبة وفجر القيادة!

*خريف النخبة وفجر القيادة!*
*رشان أوشي*
صدفة كانت أعمق من الترتيب المسبق، جمعتني أمس بفندق “غراند الساحل”، بأحد المثقفين الإسلاميين الشباب، الدكتور “عبدالغني أحمد إدريس”، صاحب كتاب “الإسلاميون: أزمة الرؤية والقيادة”.
دار بيننا حديث طويل عن مستقبل الحركة الإسلامية في السودان، كتنظيم وفكرة، وعن مآلات الوطن بعد الحرب التي التهمت بنيته المادية والرمزية في آن واحد.
اتفقنا، نحن الحضور: شخصي، والدكتور “عبدالغني إدريس”، والسياسي والكاتب “علي عسكوري”، والقيادي الاتحادي “خالد الفحل”، ورجل الأعمال والناشر الصحفي “عبدالله البشير”، على أن اليوم التالي للحرب لن يكون نهاية الطريق، بل بدايته الأكثر التباساً.
فالسودان، بعد حرب ١٥ أبريل، يشبه دولة وُضعت أمام مرآة مشروخة؛ ترى فيها ذاتها القديمة تتفتت إلى صور متناقضة. لقد كانت الحرب بمثابة آخر مسمار في نعش النادي السياسي السوداني، الذي ظل لعقود يتبادل الأقنعة دون أن يغير البنية العميقة للعقل السياسي.
حرب ١٥ أبريل هي أسرع عملية تفكيك جذري لبنية السودان الفكرية والسياسية، حيث انهارت شرعية الطبقة السياسية القديمة، لا بفعل السلاح وحده، بل بعجزها عن ترجمة شعاراتها إلى مشروع وطني واقعي. وحين اشتدت الأزمة، سقطت أمام ذات الشعارات التي رفعتها، فاحترقت رموزها في نار خطابها.
إنّ تعبيد الطريق إلى اليوم التالي يتطلب مراجعة نقدية عميقة لتجربة “النادي السياسي”، بل وتأسيس طبقة سياسية جديدة، تستند إلى مشروع وطني حقيقي.
هذه الطبقة لن تولد من رحم الأحزاب التقليدية التي استُهلكت في صراعاتها التاريخية، بل من تقاطعات الفكر والحركة بين جيل جديد من المثقفين والسياسيين المؤمنين بفكرة الدولة لا الغنيمة.
في هذا السياق، برز السؤال: هل الحركة الإسلامية قادرة على أن تكون جزءاً من المستقبل؟ أم أنها ستظل أسيرة ماضيها المثقل بتجربة “الإنقاذ”؟.
رؤيتي التي قدّمتها للدكتور “عبدالغني إدريس” أنّ الإسلاميين أقرب الجماعات الفكرية والسياسية إلى إمكانية الوصول إلى اليوم التالي. فبرغم ما يحيط بهم من جدل، فإن لديهم ديناميكية فكرية وتنظيمية تسمح بإعادة إنتاج الذات.
وملاحظاتي كصحافية مراقبة للحركة السياسية في السودان، أنّه قد بدأت داخل التيار الإسلامي حركة نقد ذاتي صاعدة، يقودها جيل جديد من الشباب، يملك الشجاعة للاعتراف بالأخطاء، والعزم على سداد فاتورة “الإنقاذ” أخلاقياً وسياسياً.
هؤلاء الشباب لا يرون في “الحركة الإسلامية” مشروع سلطة، بل مشروع وعي وتحرر من التبعية، يستمد شرعيته من الناس وتطلعاتهم.
الغرب، الذي سعى طويلاً لإقصاء الإسلاميين، بدأ يعيد النظر في مقاربته. فاهتمامه المتزايد بمفكرين إسلاميين مثل “المحبوب عبدالسلام”، وتسليطه الضوء على أصوات نقدية داخل التيار، يشير إلى تحول من محاولات وأد الفكرة إلى إعادة تشكيلها، عبر واجهات مقبولة دولياً، لكن منزوعة الجوهر الثوري.
وهنا يكمن التحدي الأكبر أمام الإسلاميين السودانيين: هل سيقبلون أن يكونوا نسخة معدلة من أنفسهم لتناسب الرؤية الغربية؟ أم أنهم سيعيدون صياغة مشروع وطني إسلامي مستقل، يوازن بين الأصالة والانفتاح؟.
فإذا كانت الحرب قد أنهت دورة كاملة من التاريخ السياسي السوداني، فإنّ اليوم التالي لن يكون نهاية، بل بداية.
بداية لميلاد وعي جديد، وطبقة سياسية جديدة، قادرة على تحويل الدمار إلى فرصة لبناء دولة تستحق أبناءها.
محبّتي واحترامي
https://www.facebook.com/share/p/1BS1rZGDbb/



