Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!
في إحدى مجموعات الواتساب التي أصبحت مصدراً رئيسياً لأخبار الاقتصاد السوداني ، انتشر خبر عن فعالية استثنائية أقامتها الشركة السودانية للموارد المعدنية مساء الثلاثاء الموافق 25 فبراير 2024 في النادي العالمي ببورتسودان. كان الحدث احتفالاً بحصاد العام 2024، حيث أعلنت الشركة عن تحقيق أعلى معدل إنتاج للذهب خلال العشر سنوات الماضية، وهو إنجازٌ وصفته بأنه “تاريخي”. لكن قبل أن نشارك الشركة فرحتها ونهنئها على هذا الإنجاز، يبرز سؤال جوهري: ما هي المؤشرات الحقيقية التي يقاس بها نجاح الشركة السودانية للموارد المعدنية؟ هل يكفي أن ننظر إلى حجم الإنتاج الكلي فقط؟
الإجابة على هذا السؤال تتطلب نظرة شاملة تتجاوز كمية الإنتاج السنوي. نعم، يُعد الإنتاج من حيث الكمية والنوعية مؤشراً مهماً، خاصة عندما يتعلق الأمر بمعادن مثل الذهب والفضة والنحاس. لكن النجاح الحقيقي للشركة لا يقاس بالإنتاج وحده، بل يشمل أيضاً الأداء المالي، حيث يجب تقييم الإيرادات والأرباح الصافية بعد خصم التكاليف، مع مراعاة كفاءة إدارة الموارد وتقليل الهدر في عمليات التعدين.
ولا يمكن إغفال الجوانب البيئية والاجتماعية، فنجاح الشركة يجب أن يتضمن التزامها بمعايير حماية البيئة وتقليل الأثر البيئي، بالإضافة إلى دورها في دعم المجتمعات المحلية وتوفير فرص عمل. كما أن الابتكار والتطوير يلعبان دوراً محورياً، حيث يجب تقييم استخدام التقنيات الحديثة والاستثمار في البحث والتطوير لتحسين عمليات التعدين.
من ناحية أخرى، يُعتبر الامتثال للقوانين المحلية والدولية والشفافية في الإفصاح عن المعلومات المالية والإدارية من المؤشرات الأساسية لنجاح الشركة. رضا العاملين وبيئة العمل الآمنة والمحفزة، بالإضافة إلى توفير فرص التدريب والتطوير، تعكس أيضاً نجاح الشركة في إدارة مواردها البشرية. كما تُقاس الاستدامة من خلال ضمان استدامة الموارد المعدنية وتنويع مصادر الدخل لتقليل المخاطر.
وعند زيارة الموقع الإلكتروني للشركة، يلاحظ غياب واضح للتقارير المالية للسنوات السابقة، حيث يقتصر المحتوى على مشاريع المسؤولية المجتمعية والتشريعات والقوانين. حتى معلومات عن أعضاء مجلس الإدارة والمساهمين، الذين هم في هذه الحالة مؤسسات الدولة السودانية، غير متاحة. هذا الغياب للشفافية يثير تساؤلات حول مدى التزام الشركة بمبادئ الحوكمة الرشيدة.
الشفافية والإفصاح ليسا مجرد خيارات، بل هما مبدأان أساسيان لإدارة الشركات الحكومية، خاصة تلك التي تُدار بأموال عامة. نشر المعلومات المالية وبيانات المساهمين يعزز الثقة بين الشركة والجمهور، بما في ذلك المواطنين والمستثمرين والجهات الرقابية. كما أن الإفصاح يسمح للجمهور بمراقبة أداء الشركة وضمان استخدام الموارد بشكل فعال، ويمكن أن يجذب مستثمرين محليين ودوليين، مما يعزز سمعة الشركة ويجعلها أكثر جاذبية للشراكات الاستثمارية.
في العديد من الدول، تُلزم القوانين الشركات الحكومية بالإفصاح عن معلوماتها المالية وهيكل المساهمين، مما يضمن امتثالها للقوانين المحلية والدولية. كما أن تبني ممارسات شفافة يُعزز سمعة الشركة ويثري مصداقيتها وموثوقيتها على المستوى المحلي والدولي. علاوة على ذلك، يسهل نشر التقارير المالية وبيانات المساهمين عمل الجهات الرقابية في مراقبة أداء الشركة وضمان التزامها بالمعايير المالية والإدارية.
يمكننا أن نفرح مع الشركة السودانية للموارد المعدنية ونفخر بها إذا كانت أرباح عام 2024 تعادل أو تفوق الزيادة في الإنتاج مقارنة بالعام السابق واذا انعكست ارباحها علي مشروعات تنموية واضحة. النجاح الحقيقي لا يقاس بالاحتفالات أو مشاريع المسؤولية المجتمعية فقط، بل بالشفافية والإفصاح عن الأداء المالي والإداري. إذا كانت الشركة تحقق أرباحاً تاريخية، فاقترح عليكم ان يتم طرح جزء من أسهمها في سوق الخرطوم للأوراق المالية، مما يسمح لكم بزيادة راس مال الشركة و يسمح للمواطنين الذين تضرروا من الحرب بالمشاركة في هذا النجاح وتعويض جزء من خسائرهم؟
في الختام، يجب علي الدولة إلزام المؤسسات الحكومية بنشر تقارير مالية دورية تشمل قوائم الدخل والميزانيات العمومية وقوائم التدفقات النقدية، والتي تكون متاحة للجمهور عبر المواقع الإلكترونية الرسمية. بالإضافة إلى ذلك، يتم الإفصاح عن الهيكل التنظيمي والمساهمين، بما في ذلك الجهات الحكومية أو الشركات الأخرى التي تملك حصصاً في المؤسسة، وكذلك أسماء أعضاء مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين.
إلى جانب ذلك، تُلزم القوانين المؤسسات الحكومية بالامتثال لمعايير الحوكمة الرشيدة، بما في ذلك الإفصاح عن المخاطر والاستثمارات والمشاريع المستقبلية. يتم أيضاً إتاحة المعلومات المالية والإدارية للجمهور عبر منصات مفتوحة ومواقع إلكترونية رسمية.
الشفافية ليست ترفاً، بل هي ضرورة لبناء ثقة الجمهور وضمان استدامة الشركات الحكومية. فبدونها، تظل الاحتفالات والإنجازات مجرد ارقام لا تعكس الصورة الكاملة لأداء هذه المؤسسات. ولا دورها في بناء السودان الذي هو في اشد الحاجه للبناء.



