بقلم » الأستاذ موسى داؤد – ٱلْعَالَمُ ٱلْمَقْلُوبُ: حِينَ تُصْبِحُ ٱلْقِيَمُ سِلْعَةً فِي أَسْوَاقِ ٱلْفَسَادِ

” ٱلْعَالَمُ ٱلْمَقْلُوبُ: حِينَ تُصْبِحُ ٱلْقِيَمُ سِلْعَةً فِي أَسْوَاقِ ٱلْفَسَادِ
Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!بورتسودان الجمعة 23 مايو 2023م
فِي عَالَمٍ تَحَوَّلَ فِيهِ ٱلصَّمْتُ إِلَى عُمْلَةٍ ثَمِينَةٍ، وَٱلْكَلِمَةُ ٱلصَّادِقَةُ إِلَى جُرْمٍ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ، لَمْ يَعُدِ ٱلْحَقُّ مُنْتَصِرًا، وَلَا ٱلْبَاطِلُ مُنْكَشِفًا. عَالَمٌ تُبَاعُ فِيهِ ٱلْمَبَادِئُ كَمَا تُبَاعُ ٱلْبَضَائِعُ ٱلرَّخِيصَةُ، وَيُشْتَرَى فِيهِ ٱلْوَلَاءُ بِمَالِ ٱلنَّفْطِ ٱلْمُلَوَّثِ، وَتُدَارُ فِيهِ ٱلسِّيَاسَاتُ مِنْ غُرَفٍ مُظْلِمَةٍ لَا تَعْرِفُ مِنَ ٱلْقِيَمِ إِلَّا قُشُورَهَا، وَمِنَ ٱلْإِنْسَانِيَّةِ إِلَّا أَقْنِعَتَهَا ٱلزَّائِفَةَ.
لَقَدْ تَصَدَّرَتِ ٱلْإِمَارَاتُ ـ دُوَيْلَةُ ٱلْمَالِ ٱلْمَسْمُومِ ـ مَشْهَدَ هَذَا ٱلْخَرَابِ، فَصَارَتْ تَشْتَرِي ٱلصَّمْتَ ٱلدُّوَلِيَّ عَلَى ٱلْمَجَازِرِ، وَتَغْمِسُ أَيَادِيَهَا فِي دِمَاءِ ٱلْأَبْرِيَاءِ لِتَرْسُمَ خَرِيطَةَ نُفُوذٍ فَوْقَ ٱلرَّمَادِ. وَلَمْ تَعُدْ حُقُوقُ ٱلْإِنْسَانِ فِي عُرْفِ ٱلْغَرْبِ سِوَى لَافِتَةٍ تُرْفَعُ مَتَى ٱقْتَضَتِ ٱلْمَصْلَحَةُ، وَتُخْفَى حِينَ تُزْعِجُ صَفَقَاتِ ٱلسِّلَاحِ وَٱلتَّحَالُفَاتِ ٱلْجَشِعَةِ. أَمَّا ٱلْحَقِيقَةُ، فَقَدْ كُتِمَ صَوْتُهَا، وَوُئِدَتْ فِي مَهْدِهَا، وَٱرْتُكِبَتْ فِي غِيَابِهَا أَشْنَعُ ٱلْجَرَائِمِ.
أَصْبَحَتِ ٱلدُّوَلُ تُحَاصَرُ، وَٱلشُّعُوبُ تُجَوَّعُ، لَا لِأَنَّهَا تُهَدِّدُ ٱلْأَمْنَ، بَلْ لِأَنَّهَا تَرْفُضُ ٱلرُّكُوعَ. وَأَضْحَى ٱلسِّلَاحُ سِلْعَةً لِمَنْ يَمْلِكُ ٱلثَّمَنَ، لَا لِمَنْ يَمْلِكُ ٱلْحَقَّ. وَظَهَرَتْ جَمَاعَاتٌ كَمِلِيشِيَاتِ آلِ دَقْلُو، تُدَارُ كَقِطَعِ ٱلشَّطْرَنْجِ فِي لُعْبَةِ ٱسْتِعْمَارٍ جَدِيدٍ، أَدَوَاتٌ لِلْإِمَارَاتِ وَٱلصَّهَايِنَةِ، تُنَفِّذُ ٱلْأَوَامِرَ بِلَا رَادِعٍ وَلَا رَقِيبٍ.
وَفِي قَلْبِ هَذَا ٱلطُّوفَانِ، يَقِفُ ٱلشَّعْبُ ٱلسُّودَانِيُّ شَامِخًا، يَرْفُضُ أَنْ يَكُونَ ضَحِيَّةً لِصِرَاعَاتِ ٱلْكِبَارِ أَوْ لُعْبَةً بِيَدِ ٱلْمُسْتَعْمِرِ ٱلْجَدِيدِ. يَحْتَاجُ ٱلسُّودَانُ إِلَى قَادَةٍ لَا يُسَاوِمُونَ عَلَى ٱلْحَقِّ، وَلَا يَخَافُونَ مِنْ قَوْلِهِ، حَتَّى لَوْ خَسِرُوا فِي سَبِيلِهِ ٱلْمَنَاصِبَ وَٱلْأَرْوَاحَ. فَٱلسُّودَانِيُّ لَيْسَ رَقْمًا فِي تَقْرِيرٍ دُوَلِيٍّ، بَلْ كَرَامَةٌ تَمْشِي عَلَى ٱلْأَرْضِ، وَتَارِيخٌ يُكْتَبُ بِٱلدَّمِ وَٱلصَّبْرِ وَٱلصُّمُودِ.
إِنَّ مَعْرَكَةَ ٱلْكَرَامَةِ لَيْسَتْ صِرَاعًا عَابِرًا، بَلْ هِيَ فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ ٱلنِّضَالِ ٱلْإِنْسَانِيِّ، يَتَطَلَّبُ ٱلصِّدْقَ، وَٱلشَّجَاعَةَ، وَٱلتَّضْحِيَةَ. وَهِيَ مَعْرَكَةٌ لَا يُخَاضُ فِيهَا بِٱلسِّلَاحِ فَقَطْ، بَلْ بِٱلْكَلِمَةِ ٱلْحُرَّةِ، وَٱلْمَوْقِفِ ٱلشَّرِيفِ، وَٱلضَّمِيرِ ٱلْحَيِّ.
خِتَامًا
فِي زَمَنٍ يُبَاعُ فِيهِ ٱلصَّمْتُ، وَتُشْتَرَى فِيهِ ٱلذِّمَمُ، لَا بُدَّ مِنْ صَرْخَةٍ تُعِيدُ لِلْعَالَمِ بُوصَلَتَهُ، وَتُوقِظُ ٱلضَّمَائِرَ مِنْ غَفْلَتِهَا. ٱلْكَرَامَةُ لَا تُشْتَرَى، وَٱلْوَطَنُ لَا يُرْهَنُ، وَٱلشُّعُوبُ ٱلْحُرَّةُ وَإِنْ ضَعُفَتْ، لَا تَنْكَسِرُ. فَلْيَبْقَ صَوْتُ ٱلسُّودَانِ عَالِيًا، وَلْتَبْقَ ٱلْحَقِيقَةُ مُشْتَعِلَةً، وَلَوْ أَطْفَؤُوا عَنْهَا ٱلضَّوْءَ أَلْفَ مَرَّةٍ.
فَٱلْعَالَمُ ٱلْمَقْلُوبُ سَيَعْتَدِلُ، حِينَ يَنْتَصِرُ ٱلْحَقُّ، وَتُهْزَمُ ٱلْخِيَانَةُ، وَيَعْلُو صَوْتُ ٱلْحُرِّيَّة .
بقلم » الأستاذ موسى داؤد