رأي

بقلم: الأستاذ موسى داؤد- ميّادة قمرالدين: سيمفونيّة الوطن في زمن الانكسار

بورتسودان – الأحد 18 مايو 2025م

في لحظةٍ كانت فيها الأصوات تتلاشى، والوجوه تنسحب من الميدان إلى الظلال، بزغت ميّادة قمرالدين كقنديل في ليل الوطن الطويل، تُغنّي لا طربًا بل واجبًا، لا للضوء بل للنار، لا للمنفى بل للتراب.

Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!

 

فنانةٌ ليست ككلّ الفنانات، إذ انصهرت في وجدان الأمة كما تنصهر القصيدة في وجدان الشاعر. لم تركن إلى حياد الصمت، ولم تسلك دروب السلامة الزائفة، بل اختارت أن تكون في قلب الحقيقة، تقف شامخةً كالنخيل في وجه الريح، تهمس في أذن الوطن: “أنا معك، ما انكسر الصوت ولا ارتجف القلب.”

 

غنّت ميّادة للسودان كما لا يُغنَّى إلا من صدق العهد وأخلص الحب، فكان صوتها لواءً من العزيمة، وكلماتها طوق نجاةٍ في بحار الحزن. غنّت للجيش لا مجاملةً، بل إيمانًا، ووقفت إلى جانب الجنود لا طلبًا للثناء، بل وفاءً لمن حموا الحمى وسقوا التراب من دمائهم الطاهرة.

 

إنّها البطلة التي لم تتكلّم كثيرًا، بل قالت كلّ شيء حين غنّت وسط اللهب، حين صدحت في شوارع بورتسودان ومدني وأم درمان والقضارف، لتقول: “لن نترك الوطن وحيدًا في معاركه.” صوتها كان سلاحًا من نوعٍ آخر، لا يُطلق الرصاص، بل يُطلق الرجاء، يُداوي الجراح، ويُلهب في الأرواح جذوة الصمود.

 

لم تختبئ خلف شعاراتٍ مزيّفة ولا هتافاتٍ موسمية، بل جعلت من فنّها موقفًا، ومن الأغنية موقفًا، ومن حضورها بيانًا. فحين اختبأ الآخرون خلف ستائر الخوف، كانت هي في الضوء، في الواجهة، ترفع راية الوطن حين حاول الآخرون إسقاطها.

 

ميّادة قمرالدين ليست مجرّد فنانة، بل روحٌ سودانيّةٌ خالصة، تجسّد في ملامحها وجع البلاد، وفي صوتها أمل الغد. هي وردة في يد الوطن، وراية في قلبه، ونغمة عصيّة على الكسر.

 

نُحييها ونشكرها، كما تُحيي الأم ابنها العائد من المعركة، وكما يشكر العاشق من أبقى له الحلم حيًّا. نُحييها لأنّها آمنت أنّ الكرامة لا تُستورد، وأنّ الوطن لا يُباع، وأنّ الفنّ الحقيقي هو ذاك الذي يُقاوم الانكسار، لا ذاك الذي يُغازل المنافع.

 

تحيّةً لكِ يا ميّادة، أيتها السيدة التي أنشدتْ للوطن حين صمت الكثيرون، والتي نزفتِ بأوتار الحنجرة لحنا من ذهب. باسم كلّ سودانيٍّ لا يزال يحمل السودان في قلبه، نقول لكِ: شكرًا لأنك كنتِ معنا، في الميدان، في المعنى، في الوطن.

وبإسمك نقول بكرة تسلم يا سودانا الماتوا ديل ياهم أولادنا

عاش السودان حراً مستقلاً

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى