نايلة علي محمد الخليفة`تكتب .. زاوية خاصة .. `لم يتركوا لنا مساحة للعفو`
Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!
بلغت القلوب الحناجر وضاقت أرض السودان بمن فيها ، وهم يرون الضعف والهوان وقلة الحيلة ، أمام تطاول مليشيات الجنجويد ، التي أصبح قتل الروح عندها أهون من شربة الماء ، وفي كل يوم وعلى رأس كل ساعة يودع الأهالي بالسودان ، وخاصة ولاية الجزيرة أحباء أعزاء ، بسبب نهم وحوش مليشيا آل دقلو في المزيد من الإنتقام وقتل الأبرياء ، ودونكم مجزرة السريحة بالأمس وماسبقها.
ولنضع نصب اعيننا ونهتدي ، بقوله عز وجل في محكم تنزيله ، (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ …أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)صدق الله العظيم.
وليمحص الله الذين آمنوا ، أي يكفر عنهم من ذنوبهم ، إن كان لهم ذنوب وإلا رفع لهم في درجاتهم بحسب ما أصيبوا به ، وقوله :ويمحق الكافرين ، أي فإنهم إذا ظفروا بغوا وبطروا ، فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ، ومحقهم وفنائهم ، فالبغي والبطر هو ما أصاب مليشيا الدعم السريع المتمردة القاتلة ، على قياس الكافرين الباغيين ، وأن نهايتها آتية لا محال بقسم الله عز وجل ، لا بقسم البشر ولا بوعود البرهان ، وقيادات الجيش.
الصبر منزلة عظيمة تحتاج لمجاهدة النفس ومغالبتها ، لذا جاء التمحيص مقرونا بقوله ، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ). ففي هذه الآية بين المولى عز وجل ، أن طريق الجنة محفوف بالمكاره ، وأن الوصول إليه يحتاج إلى جهاد عظيم ، وصبر طويل ، فقال تبارك وتعالى أَمْ حَسِبْتُمْ ، وأَمْ هنا يرى كثير من العلماء أنها منقطعة ، بمعنى بل الانتقالية ، لأن الكلام انتقال من تسليتهم إلى معاتبتهم ، على ما حدث منهم في غزوة أحد ، من مخالفة بعضهم لأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وفرارهم عنه في ساعة الشدة ، والهَمزة المُقدرة جاءت للإنكار والاستبعاد ، وقوله أَمْ حَسِبْتُمْ معطوفة على جملة وَلا تَهِنُوا ، وذلك أنهم لما مسهم القرح فحزنوا واعتراهم شيء من الضعف ، بين الله لهم أنه لا وجه لهذا الضعف أو الحزن لأنهم هم الأعلون ، والأيام دول ، وما أصابهم فقد سبق أن أصيب بمثله أعداؤهم ، ثم بين لهم هنا ، أن دخول الجنة لن يكون سهلاً ، ودونه مهجهم وأرواحهم في سبيل الله ، فإذا ظنوا غير ذلك فقد أخطئوا.
فالخطاب أعلاه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في خصوصه وفي العموم لأمته من بعده ، أظننتم أن تدخلوا الجنة ، ولم تُبْتَلوا بالقتال والشدائد ؟،
فالقتال ابتلاء وفقد الأرواح ابتلاء ، والصبر على الإبتلاء الطريق إلى النصر ، والطريق إلى الجنة.
فمهما طال ليل الظلم ومهما أستبد الجنجويد ، في الأرض فهم إلى زوال ، وسيلتف الحبل على رقابهم ، ورقاب من يؤازرونهم من ساسة تقدم ، وضعاف النفوس في الأرض ، وستنتصر الجزيرة وستعود حرة ، وسيثأر الشعب السوداني لكل قطرة دم سفكت ، ولكل جرح نزف ولكل شيبةٍ ذُل ، ولكل حرةٍ أُغتصبت ، فلا تجعلوا غضبكم يخصم من هيبة جيشكم ، ولا تكونوا معينا لعدوكم لتحقيق مايريد ، بالتطاول على الجيش والحديث عنه بغير رَوِية ، فتصبحون بين عشية وضحاها ، سهاماً في أيدي العدو يوجهها كيف ما يشاء ، ومتى مايشاء ، فهولاء الأوباش بأفعالهم وأقوالهم ، لم يتركوا لنا مساحة للعفو والتسامح ، فقد فتحوا على أنفسهم أبواباً من الجحيم ، ليست لهم المقدرة على إغلاقها بعد…لنا عودة.