معلم الاجيال الملازم اول شرطه (م) / دفع الله صبر حلوف بقلم سعادة اللواء شرطه (م)/ الحسين محمد المكي

*بسم الله الرحمن الرحيم*
Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!في أحد صباحات العام ١٩٨٥م وقد كنا طلاباً بكلية الشرطة والمعاهد (الإسم وقتها) وفي الميدان الأحمر وجدنا أحد ضباط الصف برتبة الرقيب أول يرتدي كاكي جدييييييد لنج لبس تلاتة وهو في كامل الهندام والمظهر والنظافة وهو ممشوق القوام أقرب للنحافة ولم يكن فينا أحد من الطلاب يعرفه!! كان مظهره وتحركاته تنم عن عسكرية مطبوعة وصرامة تقتضيها ظروف العمل بأقدس ميادين الشرطة ألا وهو ميدان التدريب..
عندما سنحت لنا الفرصة مع بعض معلمينا الذين نعرفهم سألناهم فعرفنا أن القادم الجديد هو الرقيب أول شرطة دفع الله صبر حلوف عائد خدمة من الكلية الحربية حيث زامل أعمامنا كوة حسب النبي وحبيب بخيت محمد ومحمد جمع ضرار ومحمد سلمة عطرون (رحمهم الله جميعاً بواسع رحمته) الذين عملوا بالكليتين الحربية والشرطة.
شيئاً فشيئاً بدأت تتكشف لنا شخصية عمنا دفع الله صبر كمعلم للبيادة وكذلك كمساعد ضابط مناوب حيث كان يختلف عن كثير ممن عرفنا من المعلمين فقد كان قليل الكلام الا في توجيه ولا يميل لفارغة العسكرية غير المبررة.. يحبه ويجله كل طلبة الكلية بلا استثناء ويعملون له ألف حساب رغم عدم ميله للجزاءات والعقاب بل كان الطلبة يستحون من المخالفة أمامه أو في حضوره!!
عرفناه معلماً للبيادة ماهراً في التعليم ذو صوت حاد وقوي وجهوري، حاذقاً لطوابير البيادة، خبيراً بخباياها، تخصص في طوابير البيادة الخاصة كطابور السيف وطابور العلم وطابور الجنازة والقرقولات وأحراس وطوابير الشرف فقد كان مرجعاً فيها، حاضر الذهن متوقّد القريحة، كنا نفزع اليه كلما أشكل علينا أمر من أمورها حتى قبيل وفاته فكنا نجد عنده القول الفصل والخبر اليقين، لا يتلجلج ولا يفكّر أو يتذكّر ولا يحوجنا لسؤال أحد بعده..
مما يؤثر عن عمنا (المرحوم بإذن الله) دفع الله صبر أنه أول من سمعنا منه إيقاظ التخصيص للمسلّحين من الطابور إذا لم يكن الطابور كله مسلّحاً.. فبعد أن يعطي النداء: طابور.. إييييييينتباه، يقول: مسلّحين.. عمودي سلاح!! لم نسمع بتخصيص الإيقاظ للمسلحين قبله وهذه شهادتي للتاريخ بعدها انداح هذا الإيقاظ واستمر العمل به حتى يومنا هذا..
تدرج عمنا دفع الله حتى رتبة الملازم أول وتقاعد للمعاش بالسن القانونية في العام ٢٠٠٤م حيث مكث بالمعاش لعدة أعوام وأعيد للخدمة بنظام المشاهرة مع آخرين هم أعمامنا عبدالعزيز وعوافي والجدي (عليهم رحمة الله جميعاً) وظل بالخدمة حتى وقت قريب حيث قامت رئاسة الشرطة بإنهاء كلّ عقودات المشاهرة بكل الشرطة..
لقد كان عمنا المرحوم الملازم أول معاش دفع الله صبر متفرداً في كل شيء، تقياً، ورعاً، زاهداً، ذاكراً لا تفارقه مسبحته إلا أثناء الطوابير والحصص.. فقدنا فيه عظيم ومصابنا فيه جلل، رجلٌ من طراز فريد قلّ أن يجود الزمان بمثله وهو رجلٌ مهما كتبت عنه فلن أوفيه حقه في هذه السطور وأنا اكتب عنه مشتٌت الذهن لحزني الشديد عليه وأشد ما آلمني أنني لم أكن موجوداً في تشييعه لمثواه الأخير وأنا الذي كنت امازحه كلما رجعت إليه في استجلاء غموض بعض الطوابير قائلاً: ياعم دفع الله لو مُتَّ بنمسك راسك دا برّة ما ح ندفنه معاك فيضحك عليه رحمة الله..
أسأل الله العليّ القدير أن يرحمه ويكرم نزله ويوسّع مرقده ويغسله بالماء والثلج والبرد وينقّيه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأن يجعل الجنة مستقرّه ومقامه ويجعل البركة في ذريّته ويجعل ما قدّم من علم ينتفع به ذخراً له لآخرته حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
لواء شرطة معاش
الحسين محمد المكي