خبير علوم الادارة .د.. عمار ميرغني حسين محمد. يكتب حول شرعية الدولة السودانية الراهنة .
بسم الله الرحمن الرحيم.
Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!………..
لا أكتب هذا المقال من أرضية تعادي او تخالف .انما اكتب من قواعد العلوم السياسية و مفاهيم علوم الإدارة التي هي مجال دراستي في محاولة للمزاوجة بين العلم و حركة السياسة . و من جهة أخرى التنبيه على قدسية الوطن و أهله مهما احتلكت الظروف و اشتدت الازمات .
إن السياسة لا تعني استثارة الغضب و استنهاض الثأر و سلوك السبل المعوجة للوصول لغاية الحكم و نيل المناصب . إن السياسة الرصينة تنطلق من منطلقات القيم الإنسانية و الرحمة التي تشمل الجميع و تؤكد على خدمة مطلوبات الانسان .
أن الوطن الآن ينادي ان هلموا الى كلمة سواء .هلموا الى فضاءات التصالح و التسامح و معاقبة جناة الحرب و داعمي مسيرتها.
إن الدول تكتسب شرعيتها بعدة اتجاهات و مداخل .
أني لأتعجب من الإدعاء بأن الحكومة الراهنة تفتقر للشرعية و بعض بني جلدتنا من السودان يناشد المجتمع الدولي..اي يطلب من الدنيا و العالمين عدم التعامل مع الدولة السودانية لعدم شرعيتها !!!! و هذا التنادي قبل كل شئ مخل بالحس الوطني الرفيق .و مجاف للانسانية و الشعور بحاجاتها و مطلوباتها …فسوف تنقطع الكثير من مطلوبات الحياة الأساسية خاصة الدواء . و معلوم ان السفر للعلاج و الاستتشفاء بالخارج امر في الظروف الحالية حتمي و ضروري و مطلوب .
إذا سمعت الدول هذا المطلب و أذعنت لهذا التنادي و قاطعت السودان ، و تجاهلت أمره، و رمته في مهامه النسيان ، و عزلته تماما ، فهل ستكون عاقبة هذا مرضية للطموح الوطنى و مشبعة للمزاج السياسي السوداني و ايضا العالمي ؟. بالتأكيد لا. و هذه دعوة تفتقر للموضوعية السياسية و للسلوك الدبلوماسي المنظم و للاعراف السودانية القائمة على التآزر و النفير و استدعاء روح الكرم و المروءة من خلال الوحدة الوطنية و الاعتزاز بالاوطان و تنمية روح العمل الجماعي . و تفتقر ايضا الى فهم القواعد الأولية في بناء العلاقات الخارجية و أعراف المجتمع الدولي.
من جانب آخر هذا المجتمع الدولي الذي تنادونه بهجر السودان و تركه ليس بوسع اى إنسان او كيان او حزب او تحالف ان يثنيه عن التعاملات الخارجية و ان يغير في اختيارات تعاملاته الدولية .هذه دعوة غريبة تحمل في ثناياها عدم التقدير والاحترام للنظم و الاعراف الدولية .
دعوة المجتمع الدولي لعزل السودان نشأت من شخصيات سودانية . نبعت قولا و ايضا تصريحات مكتوبة…هذا فيه قدر كبير من عدم الاحترام ايضا لتلك الدول و المساس بدبلوماسيتها و التدخل في شؤون علاقاتها الخارجية . و المضي في تجريحها و خدش سيادتها و عدم الاعتناء بهيبتها و مناشدتها بأسلوب يبدو مستخفا بعقول أهلها الذين يديرون شأنها .
ان العلاقات الخارجية و الدبلوماسية تقوم اصلا على أسس بعيدة من العواطف و الذاتيات، فهي تقوم على المصالح المشتركة و تبادل المنافع ، و لا تعرف العلاقات الخارجية التعامل على اساس اننا نحب أولئك و نبغض أولئك، بل الدول تتعامل فيما بينها حتى و لو تجذرت البغضاء بينها و بعدت الشقة و تعالت الفوارق. و هذه مبادئ أتت بها الشرائع السماوية فقد جاء في الإنجيل 🙁 هلم نفعل الخير لندحض الاغبياء ) .
و قال الحق تبارك و تعالى 🙁 لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم و تقسطوا إليهم. ) .
و العلاقات الخارجية علم يدرس ، و تجارب تحتذى ، و خبرات متراكمة لها اعتبارها و مكانها. ليست هي مزاجات و اهواء يمتطيها الساسة و كروت يلعبون بها اللعبة القذرة.
لقد فتح السودان مجالات التعاون من قديم مع كل العالم ، و كل القارات و مختلف الدول . حتى من نختلف معهم ايديولوجيا مثل روسيا و اميركا و غيرها . ذلك لان العلاقات الخارجية لا ترتبط بهذه التاخرات الفكرية .و تبتعد عن العقد التنظيمية و الفكرية الخاصة و الايديولوجيات مهما كانت .
إن الاشكالات السياسية تعالج في قالبها السياسي ، لا في فضاءات أخرى تضيع فيها البلاد و تمتزج فيها الأفكار الخاطئة.
اهم اسباب شرعية الدولة السودانية:
اولا *.
هيمنة القوات المسلحة و التي تمتلك الاحقية المطلقة و المسئولية المباشرة في الدفاع عن البلاد و حماية امنها و إعادتها الى حالة الهدؤ عند الاضطرابات السياسية و عواصف التحركات الثورية و مطالبة الشعوب بتغيير النظم.السياسية حال احتلاك الأوضاع و اختلال نظم الحياة الكريمة.
ثانيا :
المجتمع الدولي يتعامل مع دولة السودان بخطابات رسمية و وفق البروتوكولات الدبلوماسية و النظم المرعية .
تتسلم حكومة السودان خطابات من رؤساء الدول و من الحكومات نفسها للمشاركة في العديد من البرامج . كما تستقبل الدول قيادات السودان و ممثلي جهازه الحكومي بصورة متكاملة النظام .
من جهة أخرى رغم الظروف الامنية بالسودان فإن العديد من البعثات الدبلوماسية و السفارات شارعة أبوابها و تمارس مهامها بكل التفاصيل المطلوبة اداريا و دبلوماسية.
ثالثا :
تتعامل المنظمات الدولية مع الدولة السودانية وفق النظم المعروفة و وفق ما كان عليه الحال قبل الحرب و بعد الثورة .
رابعا :
تداعى المجتمع الدولي للوقوف الى جانب السودان خلال هذه الحرب الطحون بالمعونات و تقديم المساهمات و المساعدات الإنسانية عبر مؤسسات الدولة لهو عينه الاعتراف بكينونة الدولة بل و دعمها لمساعدة انسانها .
خامسا:
الكيانات المجتمعية و السياسية المحلية بالسودان نفسه لها تواصلاتها مع الحكومة و تبادلها الرؤى و الهموم و تقدم المبادرات لحل الازمة السودانية.
و المتابع للاعلام و لمواقع التواصل الاجتماعي بكل الوسائل يلاحظ انه لا يمر يوما الا و لمجلس السيادة لقاء مع قيادات المجتمع المدني حتى اعلم ان جدول مجلس السيادة مزدحم بهذه البرامج و يجد طالبي المقابلات و اللقاءات من جلس السيادة صعوبة في ذلك .
ختاما:
السودان المكلوم ، هذا البلد الذي طاله الخراب، يرجو من بنيه بعد النظر و الترفع عن الصغائر و التسامي على الذاتيات و الحظوظ الآثرة .لا بد من عمل وطني تتاسس به عملية تسوية سياسية مكتملة المباني ، قوية الأركان. ثابتة الدعائم و الأسس، و هذا ما ينبغي أن تضطلع به القوى السياسية في الوقت الراهن.
و من اللازم ان ينهض الباحثون و المفكرون و قادة العمل السياسي بتكوين برنامج وطني جامع للفترة المقبلة يبنى على اساس البحوث و الدراسات العلمية. برنامج يتأسس على المواطنة و سعة الشراكة السياسية و عدم الاقصاء .
و الله الموفق.