أثار موجة واسعة من الانتقادات، وطرح عدة تساؤلات،،
بيان الاتحاد الأوروبي،، “بالإمكان أفضل مما كان”..
Thank you for reading this post, don't forget to subscribe!
تجاهل مقصود لدور الإمارات، وتخفيف غير مبرَّر عن حميدتي والقوني..
دعم قاطع لبعثة تقصي الحقائق التي ترفضها الخرطوم وتصفها بالهيئة المسيسة..
السفير كبير: البداية مهمة، ولكنها لا ترتقي إلى مستوى الجرائم المرتكبة..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
أثار بيان مجلس الاتحاد الأوروبي، الذي أعلن فيه فرض عقوبات على قائد ثاني ميليشيا الدعم السريع عبد الرحيم حمدان دقلو، موجة واسعة من الانتقادات في الأوساط السودانية، بعدما بدا أنه تجاهلٌ لعدد من الحقائق الجوهرية المرتبطة بالحرب في السودان، فعلى الرغم من إشارته إلى جرائم القتل الجماعي، والعنف الجنسي، والمجاعة القسرية، ومنع المساعدات الإنسانية، إلا أن البيان تجنّب تسمية دولة الإمارات العربية المتحدة الداعم الرئيس لميليشيا الدعم السريع بالاسم، كما امتنع عن فرض أي عقوبات على قائد الميليشيا محمد حمدان دقلو (حميدتي) وشقيقه القوني، اللذين تُثبت الأدلة ضلوعهما المباشر في تلك الجرائم والانتهاكات، ورغم رفض الحكومة السودانية لها، فقد جدّد البيان الأوروبي دعمه لبعثة تقصي الحقائق الدولية المستقلة التابعة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وهي البعثة التي تصفها الحكومة السودانية تصفها بالكيان السياسي المنحاز والمتجاوز لصلاحياته.

تجنب اسم الإمارات:
أعاد تجنّب الاتحاد الأوروبي تسمية دولة الإمارات الداعم المالي والعسكري الأبرز لميليشيا الدعم السريع، إلى الواجهة مجدداً الأسئلة حول دوافع العواصم الأوروبية في التعامل مع حرب السودان، ورغم وجود أدلة دامغة على الدعم الإماراتي للميليشيا، بما في ذلك التمويل، والإمداد بالأسلحة والآليات، وتمكين انتقال مقاتلين ومرتزقة إقليميين ودوليين إلى ساحات القتال، حيث اكتفى البيان الأوروبي بالإشارة إلى مسؤوليات “جهات خارجية” دون تسمية، ويأتي الموقف الأوروبي متناسقاً وإن بشكل غير مباشر مع تصريح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو قبل يومين، الذي تهرّب هو الآخر من تسمية الإمارات، مكتفياً بالإشارة إليها ضمناً بإضافتها إلى “الآلية الرباعية”، الأمر الذي يثير تساؤلات مشروعة: لماذا يُستثنى ذكر الإمارات صراحة رغم وضوح الأدلة؟ وهل يخضع هذا التجاهل لحسابات سياسية واقتصادية، تتقدّم فيها المصالح على المبادئ، رغم حجم الجرائم المرتكبة على الأرض؟
احتجاب حميدتي والقوني:
أحد أهم أوجه الانتقاد لبيان الاتحاد الأوروبي هو غضّه الطرف عن دور قائد ميليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو، باعتباره القائد العسكري للميليشيا التي ارتكبت فظائع واسعة النطاق، إضافة إلى شقيقه القوني حمدان دقلو، المسؤول عن إدارة الشركات المالية التي تُموّل نشاط الميليشيا من داخل الإمارات

ورغم أن وزارة الخزانة الأمريكية سبق أن فرضت عقوبات واضحة وصريحة على الشقيقين، إلا أن الاتحاد الأوروبي اختار التركيز على عبد الرحيم وحده، في خطوة اعتبرت غير متوازنة وناقصة الأثر السياسي والقانوني، فما الذي يمنع الاتحاد الأوروبي من ملاحقة حميدتي والقوني بالعقوبات ذاتها؟ هل هو نقص الأدلة؟ أم اعتبارات سياسية؟ أم أن ثمة ضغوطاً ما تحول دون ذلك؟
إصرار غريب ومريب:
أكد بيان الاتحاد الأوروبي دعمه القاطع لبعثة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان، وهي البعثة التي أثارت غضب الحكومة السودانية بعد أن أوصت في وقت سابق بنشر قوة محايدة لحماية المدنيين في أقرب الآجال، وتعتبر الخرطوم أن هذه التوصيات تجاوز واضح لمهام البعثة، إذ رفضت وزارة الخارجية السودانية في بيان سابق توصيات بعثة تقصي الحقائق جملة وتفصيلاً، واعتبرتها تجاوزاً واضحاً لتفويضها وصلاحياتها، ويأتي تمسّك بروكسل بهذه البعثة في ظل رفض سوداني رسمي للتعامل معها، واتهامها بأنها هيئة ذات أهداف سياسية أكثر من كونها جهة مهنية، وهو أمرٌ وفقاً لمراقبين قد يعمّق الفجوة بين السودان والمؤسسات الأوروبية في ملف حقوق الإنسان.

بداية مهمة ولكن:
ويصف السفير عبد الباقي حمدان كبير، رئيس بعثة السودان لدى الاتحاد الأوروبي، العقوبات التي فرضت على عبد الرحيم دقلو، بالبداية المهمة، ولكنه قال إنها لا ترتقي إلى مستوى الجرائم المرتكبة، وأكد السفير كبير في إفادته للكرامة أن تحميل فرد واحد المسؤولية يفرّغ العقوبات من مضمونها، لأن الجرائم صدرت عن قيادة كاملة من أعلى الهرم بقيادة محمد حمدان دقلو حميدتي إلى شقيقه القوني حمدان دقلو، بالإضافة إلى قيادات أخرى، مبيناً أن تحميل مسؤلية تلكم الجرائم المروعة لفرد واحد يفرغ العقوبات عن مفعولها المرتجى حيث إنه كان من المفترض أن تشمل العقوبات هرم القيادتين السياسية في شخص قائد المليشيا حميدتي والمالية تحت قيادة شقيقه الأصغر القوني وألا تقتصر على القيادة العسكرية فقط، وكشف السفير كبير أن اسم حميدتي كان ضمن قائمة العقوبات الأوروبية، لكن تم سحبه في اللحظات الأخيرة لأسباب إجرائية، رغم اكتمال الملفات والأدلة بحقه، مبيناً أن الإجراءات القانونية الأوروبية معقدة وتتطلب مراجعات داخل العواصم الأوروبية قبل إقرارها رسمياً في بروكسل، ما قد يفسّر دون أن يبرر بطء إدانة ومعاقبة بقية قادة الميليشيا.

خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر، فقد كشف بيان الاتحاد الأوروبي وبما حمله من إشارات وتجاهلات عن مقاربة أوروبية لا تزال قاصرة عن فهم تعقيدات الصراع في السودان، أو ربما غير راغبة في مواجهة جذور الأزمة بشكل مباشر، فعدم تسمية الإمارات، وتجاهل دور القيادة العليا لميليشيا الدعم السريع، والتمسك ببعثة تقصي الحقائق رغم الرفض السوداني لها، كلها مؤشرات على سياسة أوروبية تحفظ لها هامش الحركة السياسي على حساب العدالة والشفافية، وفي ظل استمرار الحرب وتزايد الأدلة على تورط أطراف إقليمية، تبقى الأسئلة مفتوحة حول ما إذا كانت أوروبا ستتجه مستقبلاً نحو مواقف أكثر صرامة واتساقاً؟ أم ستستمر في سياسة الخطوة الناقصة التي لا توقف حرباً ولا تحمي مدنياً؟



